“أحسّ برغبة في أن يمسك بها، ولو بعد فوات الأوان، بعد ظهيره المعمر. أراد مرة أن يحب من أجل نفسه، أن يحب بحرية لأنه يحب. لم يتمنى حينها أن تكون كنصف وجهها المضيء، لم يخطر بباله، ولم يكن أن يخطر بباله في تلك اللحظة أنه قد يكون هناك فرق بين الوجه والنفس… أحبها. أحب أن يحبها، أحب الشوق وتألم منه كلما فقد الحقيقة، حقيقتها. في هذه اللحظة افتقدها هنيهة وأحسّ بالوحدة، وبين الحلم واليقظة ميز عمر الخيط الفاصل بين الشوق والشعور بالوحدة اقترب أكثر من فهم ما يعنيه الحب، الحب ناقص عندما ينشغل عنه لحظة الحاجة، وكامل عندما يكون حاضراً لأجله. يحتاج ليحدث من يحب بما يرى ويسمع ساعة وقوعه، لا يريد أن يكتب لها عما جرى بعد حصوله. وعندما لا يستطيع أن يحدثها بما يرى ويسمع وبما يحس عما يرى ويسمع فإنه يتألف من الوحدة. أدرك عمر وهو نصف حالم، صنف صاح، يتأرجح في الطريق إلى المستشفى بين رجلين غريبين أن الحب لا يحضر دون صاحبه، ولا يحضر إلا في الحضور، وأن الغياب لا يقود إلى الشوق فقط بل إلى الوحدة أيضاً، وأن الحضور ممكن في الغياب إذا كان سعيداً بشوقه، والسعادة بالشوق ممكنة إذا كان متأكداً من الغائب كأنه حاضر. أحسّ، أدرك، وهو لا يعرف في هذه اللحظة المتأرجحة في سيارة الإسعاف الفرق بين الإحساس والإدراك أنه لا سعادة في شوق يائس. الشوق ليس مجرد حاجة إلى إنسان، إنه حاجة لمن تحب. إنه شعور بنقص الحب. وما الحاجة إلى شيء إلا مجرد شعور بنقصانه، بغيابه، وما إن تبادر إلى ذهنه أن هذا الشعور بنقص حبيبته لن يلبى، وأن النقص لن يسد، أصبح ألماً لا يحتمل… وإذ يدرك الشوق أنه إحساس بغياب من يحب فإنه يتلوى من الألم وتلتف عليه ذاته الموجوعة لتحتضنه بحزن”.