مكتوب علينا السفر والترحال .. نرتحل في السنين فينقلب الطفل شابا والكهل شيخا .. ونرتحل في البلاد والأمصار بين الفيافي والبحار فنفتقد الأحبة والأوطان.

عشر سنوات مرت على رحلة الهروب من سيوف التتر .. تقلبت بنا المدن والرواحل .. ماتت أمي ولم تلحق الأمان بمصر فدفنها الشيخ يوسف على الطريق بين حمص ودرعا .. بكيتها راحلا فلم تسمح لنا سيوف التتر المطاردة بسويعات أقفها على قبرها باكيا.

تبدلت المدن والوجوه من حولنا طوال السنوات العشر .. أعز الله ملوكا وأذل ملوك .. قبض أرواحا وبسط أرواح .. سرت مشيئته في الوجود فلم يبدلها مبدل أو يغيرها مغير .. انكسر التتر بالشام ولم يفرح هازمهم قطز بنصره إذ قتله مماليكه ووثبوا على عرشه ..

بقيت بلاد المسلمين بلا خليفة حتى نصب الظاهر بيبرس من نسل العباسيين إماما وسيره إلى بغداد فقُتل .. ويقال إن التتر قتلوه ويقال إن الحشاشين أعانوا عليه، ولكن السلطان جاء بأمير عباسي آخر ألبسه عباءة الخلافة في القاهرة..

أركعه تحت سيفه ثم ركع بين يديه يلتمس شرعية السلطنة .. من يمتلك السيف يصنع الخليفة والسلطان يمتلك الاثنين معا.