تشيخوف أبدع في هذه الرواية وبالذات في وصف الشخصيات أمثال “ايفان أندريتش لايفسكي” و “ناديجدا فيودورفنا”، وخصوصًا وصفه لمشاعر الخيانة بين لايفسكي وناديجدا فهو رجل أعزب وهي امرأة متزوجة ولكنها يعيشان مع بعضهما، وكما الحال مع معظم تلك العلاقات القائمة على الوضعية المطلقة فقد ملّ “لايفسكي” وشبع منها ولكن أعوزته الشجاعة أن يهجرها فسعى أن يكبلها بحبال كذبه كالعنكبوت وقد كان يشعر بذنب كبير تجاهها ولم يرى من حل سوى الهروب بعيدًا ولكن ديونه حالت دون ذلك، وعلى الجانب الآخر كانت “ناديجدا” تخونه مع أحد أصدقائه وتشعر بذنب الخطيئة المتكثف على عاتقها وترى أنها تظلمه بشدة، وما بين مشاعر الخيانة عند ذاك والأخرى عند تلك تتجلى روعة تشيخوف في الوصف وتحليل الشخصيات، وتلك المشاعر إضافة إلى غيرها مثل مشاعر الغضب والكره والحسد والغيظ والتعب النفسي والجسدي جسَّدها وعبَّر عنها تشيخوف بأسلوبه المدهش ليؤلف لنا رواية من أروع ما كتب.
رغم أن عنوان الرواية هو “المبارزة” إلا أن هذا العنوان لا يتعلق إلا بآخر حدث في الرواية، فبسبب الكره وحده عُقدت مبارزة كادت أن تودي بحياة رجل من اثنين أو كلاهما ولكن حدث ما حدث وانقلبت الموازين، وهذه الرواية تعتبر من أروع الروايات من حيث الجانب التحليلي للنفس الإنسانية فتشيخوف يجعل القارئ ينظر للإنسان من زاوية مختلفة تمامًا عما ينظر إليها المعظم، وأحداث الرواية القوية والمترابطة والعميقة في الأثر والفائدة والعبرة والهدف كذلك، إضافة إلى النهاية المنطقية الأنسب لتكون ختام هذه الرواية الرائعة، اجتمعا إلى جانب الأسلوب القوي والتشبيهات البليغة والألفاظ المناسبة لتخرج هذه الرواية في أبهى صورة، وطريقة السرد متسلسلة بانسيابية شديدة أكثر من رائعة وقد كان آخر ما كتبه تشيخوف في هذه الرواية الرائعة هو: «هكذا الحياة… يخطو الناس بحثًا عن الحقيقة خطوتين إلى الأمام وخطوة إلى الوراء. وتدفعهم الآلام والأخطاء وملل الحياة إلى الوراء، ولكن الشوق إلى الحقيقة والعزيمة الصلبة تدفعهم إلى الأمام قُدُمًا. ومن يدري؟ ربما يبلغون شاطئ الحقيقة الأصيلة»
You may also be interested in...
Stay Up to Date With News, Inspirations and Events