Synopsis
ولد أنور عبد الملك في القاهرة، والده الذي قاد منظمة اليد السوداء، التي اعتبرت بمثابة التنظيم السري لحزب الوفد المصري خلال ثورة 1919، لم يتوقف عن تعليمه كل شيء؛ التاريخ والجغرافيا، والمعارك الكبرى، واللغات. وحين رحل الأب عندما كان أنور الصغير قد تجاوز ثماني سنوات، حلّ مكانه عمه فؤاد مؤسس جمعية الفنون الجميلة، اصطحب الصغير إلى المتاحف والمسارح والأوبرا. باختصار، فتح عينيه على الفن والفلسفة والخيال. شاهد نجيب الريحاني، واستمع إلى أم كلثوم وأغرم بالموسيقى الكلاسيكية.
حصل على ليسانس الأدب في الفلسفة عام 1954 من جامعة عين شمس. تعرف على شهدي عطية الشافعي، أحد أبرز المفكرين الماركسيين المصريين (اغتيل في سجون عبد الناصر في الستينيات) والمعلم السياسي الأول لعبد الملك. مع شهدي، التحق بأحد التنظيمات الشيوعية، لكن ألقي القبض عليه لمدة عام قبل أن يهرب ويختبئ في منزل الفنانة الشهيرة تحية كاريوكا، ثم يخرج إلى فرنسا ليواصل دراسته الفلسفة وعلم الاجتماع في باريس. حصل على الدكتوراه في علم الاجتماع ودكتوراه الدولة في الآداب من جامعة السوربون بفرنسا، وصدرت الترجمة العربية لأطروحته وكانت بعنوان نهضة مصر. وهناك انشغل أيضاً بالتطورات التي حدثت في المجتمع المصري بعد ثورة يوليو، وكان نتيجتها كتابه المجتمع المصري والجيش الذي أعجب به عبد الناصر. وعندما وقعت النكسة، طلب العودة إلى مصر، لكن عبد الناصر نصحه بالبقاء فوجوده هو نفسه، وهو الرئيس غير آمن في مصر. في باريس، كتب عن مصر والعرب وكان متّهماً من الجميع.
في المحروسة، تم إقصاؤه من اليسار الذي بدأ ينظر إليه بريبة، وخصوصاً بعدما بعث رسالة إلى عبد الناصر مؤيداً المصالحة بين اليسار والثورة، كما اعتبرته بعض التيارات السياسية منظراً للاتحاد الاشتراكي. واعتُبر أنّه قام في الخارج بالدور الذي أداه هيكل في الداخل، وخصوصاً في كتابه المجتمع المصري والجيش الذي ترجم في بيروت تحت عنوان مصر… مجتمع يبنيه العسكريون نشرته دار الطليعة. وفي باريس، اتهم أيضاً بأنه الجاسوس المصري كما قال ساخراً.
بدأت مسيرته العلمية منذ عام 1941 حين صار مدرسا ثم أستاذا للأبحاث بالمركز القومي للبحث العلمي بباريس 1960 ثم مديرا للبحوث عام 1970. وهو كذلك أستاذ علم الاجتماع والسياسة بكلية العلاقات الدولية جامعة ريتسومـِيْكان، كيوتو باليابان، ومستشار خاص للشئون الآسيوية بالمركز القومي لدراسات الشرق الأوسط بالقاهرة، ومدير أبحاث فخري بالمركز القومي للبحث العلمي بباريس، وهو عضو الإتحاد العالمي لعلم الاجتماع وعضو لجنته التنفيذية، علاوة على تولية منصب نائب رئيس الإتحاد 1970-1978. وهو مدير مشروع بجامعة الأمم المتحدة في الفترة من 1976 إلى 1986، وعضو مراسل بالأكاديمية الأوربية للفنون والعلوم والآداب.
عمل أنور عبد الملك صحفى فى روز اليوسف وفى جريدة لو جورنال دى إيجبت وفى جريدة الحقيقة والمساء ومجلة الإذاعة ومجلة المجلة من عام 1950 – 1959. ومدير مكتب محمد حسنين هيكل عام 1970. أستاذ باحث مساعد فى المركز القومى للبحوث ثم مشارك ثم مدير فى الفترة من عام 1960 حتى عام 1990.
منذ البدايات الأولى كان أنور عبد الملك مهتما بهموم وطنه وخاصة السياسية والاجتماعية منها، علاوة على تأكيده على أهمية الخصوصية والهوية والانتماء لتماسك الأمة العربية والإسلامية، مع رفضه لدعاوى العولمة والانفتاح على الغرب من أجل التحديث واللحاق بالركب الحضاري، ودعوته إلى الانفتاح على الشرق.
وبشيء أكثر تفصيلا يمكن القول إنه منذ بداية الإنتاج الفكري للدكتور أنور عبد الملك برز اهتمامه بالماركسية وصاغ مصطلح المدرسة المصرية في الماركسية مبينا التأثيرات العالمية لهذه المدرسة.
ولقد اعتبر أنور عبد الملك أن الماركسية ليست سلاحا فحسب من أجل التحرر الوطني والاقتصادي لبلدان العالم الثالث – وذلك حسب كتابه القومية والاشتراكية – ولكن من أجل التحرر الفكري من الهيمنة الثقافية الغربية كذلك.
وفي هذا الإطار جاء الإسهام الفكري لعبد الملك في إطار علم الاجتماع، فقام بمراجعة التعريفات الليبرالية، وكذلك الماركسية الغربية التي تتعلق بمفاهيم الدولة والأمة والقومية وغيرها، وكان إسهامه الفكري يحمل هم إبراز التباين بين الواقع الذي أنتج هذه الأفكار، والمعطيات الجديدة التي فرضها كفاح الشعوب في مواجهة الغرب الاستعماري.